وبشر يا محمد عبادنا الصالحين من أتباعك بما أعددنا لهم من النعيم المقيم، والخير العميم جزاء لإيمانهم وأعمالهم الصالحة من توحيد وصلاة وصيام وصدقة وحج ونحوه، فهم في جنة ثمراتها متشابهة الألوان، مختلفة الطعوم حتى يخيل إلى من سكنها ان الثمرة إذا قدمت له بعد الثمرة انها مثل ثمرة الدنيا، وهي مختلفة في ذوقها، لزيادة النعيم، وعندهم زوجات جميلات ناعمات مطهرات مما يعرض لنساء الدنيا من نجاسات وقاذورات وأخلاق رديئة، ومع هذا النعيم فهم مقيمون أبداً، متنعمون سرمداً لا ينقطع عنهم النعيم ولا يخافون الزوال والانتقال. قال تعالى:
فالله لا يستحيي ان يضرب الأمثال بما شاء من خلق البعوضة فما فوقها، فالكل خلقه، فبديع حكمته في خلق البعوضة والنملة مثل عجيب خلقه في الفيل والجمل، بل ان تركيبه للصغير الحقير يلفت النظر أكثر من الكبير، والمؤمن عند سماع هذه الأمثال يعتقد ان هذا المثل صدق لا مرية فيه من عند الله، بخلاف الكافر الذي يقف حائراً متردداً، وكل مثل يساق يزداد به المؤمن إيماناً والكافر كفراً، ولهذا تجد عند العالم بآيات الله من اليقين والرسوخ، لتوارد الأدلة وكثرة البراهين ما لا يوجد عند الجاهل المعرض، وتجد المنحرف الفاجر يزداد فجوراً عند سماع البينات والحجج الواضحات. قال تعالى :
هؤلاء هم الذين ينقضون العهد الذي بينهم وبين ربهم من الإيمان به وإتباع رسوله، وكل ميثاق عقدوه على أنفسهم من الإيمان والنذور والمعاهدات، لأنهم فجرة، وكل ما أمر الله به ان يوصل من بر الوالدين، وصلة الرحم، وحق الجار، قطعه هؤلاء العصاة المردة، فلا مع الخالق صدقوا، ولا مع الخلق وفوا، ثم هم يسعون في الأرض فساداً من إشعال الفتن، ونشر الفرقة، واختلاف الكلمة، والتربص بالمؤمنين، وحبك المؤامرة على المسلمين، فهم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم وحياتهم وسعادتهم، فلا اشد منهم هلاكاً، ولا اغبن منهم صفقة، فالخسارة المالية تعوض، ولكن خسارة الدين والقيم لا عوض منها، لان خسارة هؤلاء المكذبين خسارة دائمة في الدارين، فلعظم خسارتهم حصر الخسارة فيهم. (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) سورة الكهف
الأموال والأولاد حسن وجمال للحياة الدنيا الزائلة , ولكن المال يفني والأولاد يموتون, والدنيا تنتهي, وتبقى الأعمال الصالحة ,ومن أفضلها التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وهي أفضل أجراً عند الله من الأموال والأولاد وهي أحسن ما ينتظره الإنسان وما يرجوه من الثواب عند الله فيحصل له بها النعيم المقيم في الآخرة
قل أيها النبي _ لو أن ماء البحر كان حبراً , وجعُل الشجر أقلاما ليكتب بها الله كلامه لانتهى ماء البحر قبل أن تنتهي كلمات الله لكثرتها وبركتها ولو جعل الله مع البحر بحاراً أخرى تمد البحر الأول لانتهت أيضا قبل انتهاء كلمات الله
سخر الله الريح لسليمان تجري من أول النهار إلى نصفه مسيرة شهر ومن نصف النهار الثاني إلى الليل مسيرة شهر بسير الناس المعروف وأذاب الله النحاس وأصبح سائلا كالماء يتحكم فيه بما أراد ويصنع به ما أحب وسخر الله لسليمان الجن منهم من يعمل من بين يديه طائعاً ذليلاً بإذن الله وتسخيره ومن يعص أمر الله منهم ولا يأتمر بأمر سليمان يصليه الله عذاب جهنم الموقدة
يعمل الجن لسليمان عليه السلام ما أراد من مساجد للصلاة وصور من نحاس وزجاج ويعملون لها أشكالا عجيبة مما أحب وقصاعاً واسعة عظيمة كالأحواض الكبيرة التي يجتمع فيها الماء وقدوراً للطعام ثابتات لا تضطرب لسعتها وضخامتها وأمر الله آل داوود أن يشكروا نعمة بلزوم طاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه وقليل من الناس من يشكر الله على نعمه الجليلة والكثير منهم جاحد مقصر في الشكر وداوود من القليل الشاكر
فلما كتب الله على سليمان الموت وحان اجله وتمت مدته مات عليه السلام واقفاً متعمداً على عصاه وما علم الجن انه مات وهم يعملون بين يديه حتى أتت الأرضة فأكلت عصاه فوقع عليه السلام عندها تيقن الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما مكثوا في الشغل الشاق المذل والعمل المضني لسليمان لأنهم كانوا يحسبونه حياً ينظر إليهم وهو قد مات وفي الآية الردعلى من ادعى أن الجن يعلمون الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله وحده
التفسير الميسر للشيخ عائض القرني سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم